تبدأ القصة عندما رسم الجزار لوحة بعنوان "الجوع" وحملت أيضًا اسم "الكورس الشعبي" عام 1948، وقد أتت اللوحة شديدة الرمزية عاكسة لمأساة المهمشين والكادحين وفاضحة للنظام الملكي أيضًا.
حيث يظهر في اللوحة طفل مع عدد من الرجال والنساء يرتدون جميعهم ملابس نسائية شعبية بالية، تنطوي فكرة تقديم الرجال بملابس نسائية هنا على حس عالٍ من الرمزية؛ لأنها تدل على عجز الرجال وضعفهم.
وهناك أيضًا امرأة من النساء تقف عارية تماما كرمز للانتهاك وعدم وجود ستر، وأمام الـمُشاهِد يقف الجميع في الطابور بملامح ذليلة أمام صحون فارغة، ويضم أفراد اللوحة أيديهم لأنفسهم بطريقة شديدة الانكسار، ومن النظرة الأولى للوحة نلمس حالة التهميش والفقر المدقع التي تُعانيها الطبقات الكادحة، وما زاد الأمور اشتعالا هي الجملة التي أرفقها الجزار باللوحة "هؤلاء هم رعاياك يا مولاي".
لقد وجَّهَت الجُملة التي أرفقها الجزار بالمشهد أعين المشاهد مِن بعد اللوحة للملك مباشرة، فالرمزية التي تنطوي عليها اللوحة لم تعد مجالا للتفسير والتأويل بعد تلك الجملة، وعلى الفور أعطى الملك أمرًا باعتقال الجزار واعتقال أستاذه حسين أحمد أمين، ومصادرة اللوحة وإغلاق المعرض، وصار الجزار وأستاذه أول رسَّامين يتم اعتقالهما بسبب لوحة.
وبعد وساطة الفنانيْن التشكيليّيْن محمود سعيد (1897 – 1964) ومحمد ناجي (1888 – 1956) تم الإفراج عن الجزار وأستاذه بعد شهر من الاعتقال، لكن الجزار خرج من السجن وقد صار محل إعجاب وتقدير العديد من متابعي الفن ونقاده؛ حتى إن الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أبدى إعجابه بالجزار، عندما زار معرض الفن الحديث أثناء زيارته لمصر مع رفيقته الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بفوار.
تخرج الجزار من كلية الفنون الجميلة عام 1950 وكان الأول على دفعته بامتياز مع مرتبة الشرف وعُيّنَ مُعيدًا في قسم التصوير في نفس العام، درس الجزار الموسيقى على يد الموسيقار عبد المنعم عرفة، فتعلم الغناء والعزف على العود وكتابة الأشعار، وبدا الجزار في هذه المرحلة من حياته فنانًا شاملا وصاحب حسٍّ فني شديد الثراء.
المراجع-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق